
-آلاء الحاج حسن-
بعد أن دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان حيّز التنفيذ فجر 27 تشرين الثاني 2024، ارتفعت التوقعات بأن لبنان سيشهد تهدئة وانفراجًا بعد موجة دمار استمرت نحو عام.
لكن وبعد أيام فقط بدأت أولى خروقات الاحتلال، غارات ومدفعية واستهداف مدنيين في مناطق جنوبية، حظر على عودة الأهالي إلى قراهم، وحظر تجول ليلي في عدد من البلدات.
من هنا، تبدّل مفهوم "الهدنة" إلى "تجميد هشّ للعنف"؛ فالإسرائيليون استخدموا سكون نسبيّ لحشد نقاط استراتيجية، تعزيز مواقعهم، وفرض أمر واقع على الأرض، بعيدا عن الالتزام الكامل ببنود الانسحاب.
الجميع يدرك أن التعويل على التزامات إسرائيل يشوبه قدر كبير من الشك. فحتى لو استجابت الدولة اللبنانية مستقبلاً لأي مطلب إسرائيلي يتعلق بنزع سلاح «حزب الله»، يبقى السؤال الجوهري: ما هو الضمان الفعلي لالتزام تل أبيب بحدودها وبأي اتفاق يُبرم معها؟ فالتجارب السابقة تُظهر أن إسرائيل لم تُحافظ يومًا على تعهداتها طويلاً، وغالبًا ما تجد الذرائع لخرق الاتفاقات وخلق وقائع جديدة على الأرض، مستندة إلى حجج أمنية أو تهديدات مفترضة. وبالتالي، فإن أي نقاش حول ترتيبات أمنية أو استراتيجية في الجنوب لا يمكن فصله عن سجل تاريخي مثقل بالخروقات والالتفاف على الالتزامات الدولية.
الحزب لن يتقيّد بالمهلة التي حدّدتها إسرائيل، خصوصًا في ظلّ استمرار الاعتداءات على الأراضي اللبنانية وتجاهل تل أبيب لأي التزامات سابقة. فهو يعتبر أنّ سلاحه ليس ملفًا للتفاوض، بل الضمانة الوحيدة لردع الجيش الإسرائيلي ومنع تكرار الاعتداءات. ومن هذا المنطلق، يرى الحزب أنّ التخلي عن السلاح يعني تجريد لبنان من عنصر قوته الوحيد في مواجهة أي حرب محتملة أو محاولة فرض شروط خارجية تمسّ سيادة الدولة اللبنانية.
الحرب القادمة لن تقتصر على حزب الله أو مناطق نفوذه. إسرائيل أوضحت أنها منحت مهلة للدولة اللبنانية، وإذا لم تلتزم الحكومة بما تريده تل أبيب، فإنها ستعتبر الدولة اللبنانية شريكة أو داعمة للحزب. بالتالي، فإن أي تصعيد محتمل لن يستهدف الحزب وحده، بل سيكون شاملاً على كامل الأراضي اللبنانية وعلى جميع المواطنين، بغضّ النظر عن مواقعهم أو انتماءاتهم، ما يضع لبنان أمام خطر مواجهة واسعة وحرب أشد قسوة من الحرب القادمة .
إذا انتهت المهلة التي اعطتها اسرائيل 31 كانون الأول 2025 من دون تحقيق نزع السلاح، والنتيجة استمرار ما يعتبره الجانب الإسرائيلي «تهديداً أمنيًا» من حزب الله، فثمة احتمال كبير لاندلاع حرب. نلخّص أبرز السيناريوهات على الشكل التالي:
السيناريو الأول:
ضربات جوّية وميدانية مكثّفة على مواقع المقاومة في الجنوب والضاحية والبقاع
السيناريو الثاني:
حملة برّية جزئية أو اجتياح محدود جنوب الليطاني: محتملة إذا رأت إسرائيل أن الضربات وحدها لا كافية، خصوصاً إذا رأت أن حزب الله يرفع سقف الرد.
السيناريو الثالث:
حرب شاملة على كامل الأراضي اللبنانية: في حال توسّع الصراع، أو إذا حصل تصعيد إقليمي ما قد يدفع الاحتلال لإعادة رسم خريطة السيطرة على الجنوب والضواحي.
السيناريو الرابع:
ضغوط سياسية واقتصادية مكثفة مع حرب "رمزية": قد لا تقود بالضرورة إلى حرب شاملة، لكن تستهدف تدمير البنية التحتية، إضعاف الدولة وتشجيع نزوح جماعي، كخطة ضغط من نوع مختلف.
في ضوء المعطيات الراهنة، بات من الصعب الحديث عن مخرج سلمي مستدام أو حلول وسطى قابلة للحياة. فإسرائيل وضعت مهلة زمنية واضحة لنزع سلاح حزب الله، وقرنتها بتهديد صريح باستخدام القوة، فيما الحزب أعلن رفضه القاطع لأي خطوة تمسّ قدرته العسكرية، معتبراً أنها خط دفاع أخير أمام أطماع العدو. وبين هذين الموقفين، تقف الدولة اللبنانية عاجزة عن إنتاج قرار سيادي جامع، ومحاصرة بضغط خارجي وانقسام داخلي يستنزف ما تبقّى من قدرتها على المناورة.
هذه المعادلة لا تنتج سلاماً، بل تُمهّد لساعة الصفر. وكل بندقة سياسية تُطلق، وكل تصريح ناري يصدر، ليس سوى طبول حرب تُقرع من بعيد وتتقدّم بثبات نحو حدود لبنان. فالمشهد الإقليمي مشتعل، والحدود الجنوبية تغلي، والمهل تضيق، والمسارات الدبلوماسية تُستنزف أمام عنادٍ متبادل لا يترك هامشاً للحلول.
وعليه، خلال أسابيع لبنان يتّجه إلى مواجهة وجودية لا مفرّ منها. حربٌ ليست مسألة احتمال، بل نتيجة طبيعية لمسار تسلكه إسرائيل. حربٌ قد لا تشبه سابقاتها، وقد تُعيد رسم الخرائط السياسية والجغرافية في المنطقة.