أحمد الموّاس -
تتجدّد السيطرة السياسيّة على مدينة طرابلس مع انتخاب عبد الحميد كريمة رئيسًا للبلديّة، والمدعوم من النواب أشرف ريفي، فيصل كرامي، وطه ناجي، في مشهدٍ يعيد تأكيد الواقع المرير الذي تعيشه المدينة.
صوت حاسم وخرق سياسي
انتخب 26% فقط من الطرابلسيين الأعضاء الـ24 في المجلس البلدي، في انتخابات أفرزت نتائج غير مرضية لكثيرين، إذ فازت لائحة "رؤية طرابلس" المدعومة سياسيًا بـ12 عضوًا، مقابل 11 عضوًا للائحة "نسيج"، فيما ذهب المقعد الأخير إلى إبراهيم العبيد عن لائحة "حراس المدينة لطرابلس ونهضتها".
وفور إعلان النتائج، بدأ الحديث يتصاعد حول اسم الرئيس المقبل، في ظل التوازن العددي شبه الكامل بين اللائحتين، ما جعل صوت العبيد هو المرجّح، إذ كان يُتوقع أن يُحدّد خياره هوية الرئيس الجديد.
عشيّة انتخاب الرئيس، وبعد أخذٍ وردٍّ وجدلٍ طويل، فاجأ إبراهيم العبيد الجميع بإعلانه عبر صفحته على فيسبوك أنه سيصوّت لوائل الزمرلي، مرشّح لائحة "نسيج"، لكن المفاجآت لم تنتهِ هنا، إذ دخل الأعضاء صباح جلسة انتخاب الرئيس ونائبه وسط توازن في الأصوات بين كريمة والزمرلي. غير أن المعلومات بدأت تتسرّب عن خرق حصل في صفوف "نسيج"، حيث نال كريمة 13 صوتًا مقابل 11 للزمرلي.
وهنا يُطرح التساؤل الأهم: من ضغط على عضو "نسيج" لتبديل موقفه والتصويت لصالح كريمة؟ خصوصًا أن إبراهيم العبيد أكّد لاحقًا أنه وفى بوعده وصوّت للزمرلي.
"رؤية" بلا رؤية... والمجلس في قبضة السياسيين
رغم ما رُوّج له تحت عنوان "رؤية طرابلس"، فإن الرؤية الحقيقية التي تتوضح أمامنا هي استمرار النفوذ السياسي الذي طالما كبّل العمل البلدي. فبدل أن تكون الانتخابات فرصة للتجديد وضخّ كفاءات جديدة، تحوّلت إلى ساحة صراع بين أقطاب سياسيين يسعون لتثبيت نفوذهم وتقاسم الحصص في واحدة من أفقر مدن لبنان.
النواب الذين دعموا كريمة، وإن ظهروا موحّدين خلف لائحة "رؤية"، فإن ما يجمعهم ليس مشروعًا مشتركًا للنهوض بالمدينة، بل تقاطع مصالح ظرفي يهدف لتأكيد الحضور داخل البلدية، وإحكام القبضة على القرار البلدي، الذي يُفترض أن يكون مستقلًا عن الولاءات السياسية. وهنا مكمن الخطر.
الآن المطلوب ليس فقط مراقبة أداء المجلس الجديد، بل أيضًا رفع الصوت في وجه محاولات استتباع المدينة سياسيًا، والدفع باتجاه استقلالية القرار البلدي، ووضع آليات رقابة شعبية وإعلامية صارمة تفضح كل تقصير أو تجاوز.
البلدية المقبلة، التي ستدير شؤون المدينة حتى عام 2031، تدخل ولايتها محمّلة بإرث من الفشل بعد مجلس كان محكومًا سياسيًّا قبلها، إضافةإلى الإفلاس المالي والانقسام الواضح في تركيبة المجلس. فهل ستتمكن من كسر تلك الحلقة؟ التجارب السابقة لا تبشّر بخير. وبدل أن يكون المجلس البلدي ساحة للعمل التشاركي والمحاسبة والشفافية، يُخشى أن يتحول مجددًا إلى أداة بيد السياسيين لإدارة المصالح وشراء الولاءات.