logo
logo
logo

قضاء

رغم وجودها منذ الـ2022.. لماذا اليوم تمّ مداهمة بيت أرابيا؟

رغم وجودها منذ الـ2022.. لماذا اليوم تمّ مداهمة بيت أرابيا؟

فُتح ملف المراهنات الإلكترونية التابعة لشركة "BET ARABIA" على مصراعيه، في مشهد صادم يعيد تسليط الضوء على واحد من أخطر بؤر الفساد التي نمت في قلب المرافق العامة تحت غطاء سياسي وإعلامي كثيف. جهاز أمن الدولة نفّذ سلسلة مداهمات طالت عددًا من صالات القمار المتوزعة على الأراضي اللبنانية، وقام بإقفالها، فيما بدأت تتكشّف تباعًا خيوط الشبكة التي أحكمت قبضتها على كازينو لبنان وسوّقت لنفسها كجهة شرعية رغم افتقارها لأي مشروعية قانونية حقيقية.

 

توقيفات وتحقيقات تطال كبار المشغّلين

المعلومات تفيد بأن القضاء اللبناني أوقف داني عبود، مدير شركة "BET ARABIA"، بعد استجوابه، فيما استُدعي جاد غاريوس، رئيس مجلس إدارة شركة OSS المشغّلة لبيت أرابيا، للتحقيق. كذلك أوقف أمن الدولة 12 شخصًا من أصحاب الصالات، بعد مداهمات شملت أكثر من 7 مراكز بين بيروت وجبل لبنان، وزغرتا والبترون. الأجهزة الأمنية وضعت يدها على الحواسيب والخوادم، وسط شبهات خطيرة بتبييض أموال بملايين الدولارات، يُعتقد أنها على صلة بتجّار مخدرات وشبكات غير مشروعة.وقد تم إقفال هذه المراكز من قبل الجهات المختصة.

 

ترخيص مشبوه بغطاء رسمي: من أعطى الشرعية؟

اللافت أن هذه الشبكة لم تكن تعمل في الظل، بل في وضح النهار، وبرعاية رسمية ضمنية، بعدما أتيح لها التعاقد مع كازينو لبنان لتشغيل ألعاب الميسر والمراهنات الرياضية "أونلاين"، بموجب ترخيص مشبوه أُعطي في عهد رئيس مجلس إدارة الكازينو السابق رولان خوري، الذي جاء تعيينه من حصة رئيس الجمهورية السابق ميشال عون. واليوم، تتردد معلومات عن نية الرئيس جوزاف عون استبداله، في سياق إعادة ترتيب التوازنات داخل إدارة الكازينو.

 

السؤال الجوهري: لماذا الآن؟

لكن السؤال الذي يفرض نفسه: لماذا اليوم؟ لماذا تُفتح هذه القضية الآن، بعد عامين كاملين من الترخيص غير القانوني؟ الإجابة لا تكمن في عامل واحد، بل في مجموعة احتمالات قد تكون تضافرت لتؤدي إلى تفجير الملف في هذا التوقيت بالذات.

 

تضارب مصالح وتراكم ضغط إعلامي وشعبي

أولى هذه الفرضيات تتعلّق بتضارب المصالح السياسية، فالمعروف أن الحمايات التي كانت تؤمّن الغطاء للشركة بدأت تتآكل مع تغيّر موازين القوى، ما أفسح المجال أمام تحرّك قضائي كان مستحيلًا في السابق. إلى جانب ذلك، تراكمت الشكاوى والفضائح، وازداد الضغط الإعلامي، ما حوّل السكوت إلى تواطؤ مكشوف، يصعب الاستمرار في تغطيته.

 

دور الرقابة والضغوط الدولية

هناك أيضًا ضغط مباشر من ديوان المحاسبة وبعض الهيئات الرقابية التي سجّلت تجاوزات بالجملة، خصوصًا أن الشركة كانت قد انتزعت الشرعية من يد الدولة نفسها، بعد أن خالف ترخيصها أصول إدارة وتشغيل ألعاب الميسر. العامل الدولي بدوره ليس غائبًا، فلبنان يخوض مفاوضات شائكة مع صندوق النقد الدولي، ويحتاج إلى تقديم صورة ولو رمزية عن مكافحة الفساد، والظهور بمظهر الدولة التي تحاسب ولو شكليًا بعض المتورطين في شبكات النفوذ المالي.

 

احتمال التسريب الداخلي... ضربة من الداخل؟

وثمّة فرضية لا تقل وجاهة: احتمال حدوث تسريب من داخل شركة "بيت أرابيا" نفسها، سواء بدافع الخلافات الداخلية بين الشركاء، أو كنتيجة لتصفية حسابات، أو محاولة أحد الأطراف إنقاذ نفسه بالغرق بالآخرين.

 

نسب أرباح غير متوازنة... والسيطرة على السوق

الشركة التي تمتلكها نسبةً كبرى هشام عيتاني وجاد غاريوس، كانت قد أحكمت قبضتها على السوق، وانتزعت من كازينو لبنان نسبة تتراوح بين 16 و18 في المئة من الأرباح، مقابل 18 في المئة للدولة، فيما كانت النسبة الأكبر، بين 62 و64 في المئة، تذهب إلى الجهة المُشغّلة. وبفعل الحماية السياسية والإعلامية، عملت الشركة على تصفية السوق السوداء بدل منافستها، واستحوذت لاحقًا على الحصة الكبرى من سوق المراهنات الإلكترونية.

 

ترويج إعلامي مموّل وآثار اجتماعية مدمّرة

وفي موازاة ذلك، لُمّعت صورة الشركة عبر حملات دعائية ضخمة على القنوات اللبنانية، وجرى الترويج لألعاب الميسر كأنها أنشطة ترفيهية، في وقت حذّر فيه اختصاصيون من خطورة هذه الآفة، لا سيما على الأطفال والمراهقين، كونها تُفضي إلى الإدمان، وقد تدفع البعض نحو الاستدانة، بيع الممتلكات، السرقة، أو حتى الانتحار.

 

ختامًا: هل يبدأ سقوط أحجار الدومينو؟

في النهاية، لا تزال التحقيقات القضائية في بداياتها. لكن السؤال الأهم يبقى معلقًا: هل سيُفتح الملف على مصراعيه وتسقط الرؤوس المتورطة كأحجار الدومينو؟ أم أننا أمام فصول تمهيدية لصفقة جديدة، تُغلّف الفضيحة بورق المحاصصة والتسويات، كما حصل في عشرات القضايا قبلها؟ الجواب رهن الغطاء السياسي... ومتى يُرفع.