أحمد نصرالله-
بعد 54 سنة في الحكم، تم إزاحة آل الأسد عن سدة رئاسة الجمهورية السورية، وعمّت الأفراح داخل قلب كل أم تمّ اعتقال ولدها فقط لأنّه تحدّث بكلمة سيّئة عن نظام الحكم، وبقلب كل أب تعرّض للإهانة أمام عائلته لأن "نقّيش التقارير" قرّر أن يصفّي حسابه معه فذكر اسمه على أنّه معارض.
لا أحد يُشكّك بإجرام نظام الأسد، وبدرجة أكبر بمراحل أيام بشار، الذي ورغم موقفه العربي المناصر لقضية فلسطين، أهمل شعبه من أجل أن يجمع الثروة التي هرب فيها إلى روسيا، ولكن على المقلب الآخر في رقبة الرئيس السوري المخلوع الكثير من سنوات الشباب التي تم إهدارها في السجون من دون حق.
لم يقتصر الأمر على من يتحدث بكلمة عن النظام، بل عن ممارسات الضباط المسؤولين في النظام، الذين كانوا يمارسون سلطتهم على الشعب بشكل وحشي، قمعي، من أجل جمع ثرواتهم من جهة، والتلذذ بإهانة الناس من جهة أخرى.
بالإضافة إلى هذه الممارسات، غزى الفساد في الدولة السورية، فالجميع يعلم أنه لا يُمكنك أن تُنجز معاملة في الدوائر الرسميّة من دون أي واسطة، وإن لم تمتلك واحدة فعليك أن تدفع كل ما لديك من أجل كلفة الرشوة التيهي روتين لدى الجميع، بما فيهم عناصر الجيش السوري الموجودين على الحواجز، حيث كانت رشوتهم المفضّلة "علبة المارلبورو".
كل هذه الممارسات، والتي لا يُمكن أن تتلخّص في مقال واحد، تحوّلت إلى ممارسات أخطر وأشرس وظالمة بشكل أكبر مع الرئيس السوري المُختار وغير المنتخب، أحمد الشرع.
الشرع أو "الجولاني"، عنصر سابق في أخطر المنظمات التي يعرفها الجميع، غير قادر حتى هذه اللحظة على التحكّم "إن أراد ذلك في الأصل" بجماعته الموجودة على الأرض، وخير دليل الجرائم التي حدثت في الساحل السوري، والتي لا تزال تحصل بشكل يومي، من دون تغطية الإعلام لذلك.
الفساد لا يزال ينغل في الوزارات، مع إضافة بأنه قد تمّ فصل أكثر من نصف موظفي الدولة من القطاع العام المهزوز في الأصل. نعم الأسد ترك إرثًا اقتصاديًّا مهزوزًا، وعقوبات دمّرت كل فرص النجاح التجاريّة، ولكن لا يبدو المستقبل مشرقًا أيضًا.
بعيدًا عن الصعوبات الاقتصادية، يعمد نظام الشرع إلى قتل الناس لأسباب طائفيّة، وهذا لا يُخفى على أحد ولا يُمكن نفيه أصلًا، ولكن الخطورة تكمن في تكوّن رأي عام مناصر لهذه الممارسات، وهذا ما لم يكن موجودًا في أيام النظام القمعي، نظام الأسد.
يعني من خلال العمل في مجال الإعلام، يُمكن ملاحظة مناصرة الكثير من السوريين لهذه الأفعال، بسبب حقدهم على النظام القديم، داحرين في عرض الحائط آية القرآن الكريم "ولا تزر وارزة وزر أخرى"، حيث يبدون سعادتهم بإهانة الناس، لمجرد كونهم من نفس طائفة الأسد، أو حتى من طائفة أخرى.
طبعًا الشعب السوري وأولاد الشام ليسوا كذلك، الشعب السوري لطالما كان غير طائفيًا ولم يميّز بين أبناء بلده، نعم كان هنالك قمع، ظلم، ولكن الطائفية كانت غائبة، فضباط الأسد الظالمين كانوا من مختلف الطوائف، وكذلك الضباط "الآوادم".
السير بهذا النهج خطير جدًا على سوريا، فنتائجه ستكون طويلة الأمد، تقسيم سوريا سيصبح أمرًا حتميًا، لأن ما يحصل في سوريا من نشر دعوى لترك كل الديانات والإنضمام للطائفة السنية الكريمة، إلى تهديد الفنانين مثل باسم ياخور بالقتل لمجرد كونه ليس مناصرًا لنظام الشرع، إلى مجازر الساحل، إلى المعارك مع الدروز، يعني نهاية لا يتمناها أي مُحب لسوريا، سوريا العروبة والكرم، سوريا الانفتاح والدراما التي غزت العالم، سوريا صباح فخري وخالد تاجا وصلاح الدين الأيوبي.