logo
logo
logo

مقالات

من دارفور إلى الخرطوم... من هي الدولة الخليجيّة التي تشعل حرب السودان ولماذا؟

من دارفور إلى الخرطوم... من هي الدولة الخليجيّة التي تشعل حرب السودان ولماذا؟

يشهد السودان منذ سنوات واحدة من أعقد الأزمات السياسية والعسكرية في تاريخه الحديث، أزمة تتجاوز حدود الصراع على السلطة لتلامس خيوط لعبة دولية وإقليمية متشابكة، تُحركها المصالح الاقتصادية والاستراتيجية لقوى كبرى في المنطقة.

ثروات السودان... نعمة تحوّلت إلى نقمة

يُعدّ السودان من أغنى دول أفريقيا بالموارد الطبيعية والزراعية والمعدنية. فالأراضي الخصبة الشاسعة التي تصل مساحتها إلى نحو 73.5 مليون هكتار، والمياه الوفيرة التي يوفّرها نهر النيل والأمطار الموسمية والبحيرات الجوفية، تجعل من هذا البلد سلة غذاء حقيقية للقارة بأكملها.


اقتصاديًا، يحتل السودان موقعًا متقدّمًا في إنتاج القطن والصمغ العربي، كما ينتج كميات ضخمة من الذرة والسمسم والفول السوداني والقمح والفواكه. أما الثروة الحيوانية فتُقدّر بنحو 108 ملايين رأس من الأغنام، فضلاً عن المخزون الضخم من الذهب، الذي جعل السودان يحتل المركز الثالث عشر عالميًا في الإنتاج، إلى جانب احتياطيات نفطية تفوق 5 مليارات برميل، وثالث أكبر احتياطي من اليورانيوم في العالم.

 

هذه الثروات جعلت السودان مطمعًا للقوى الإقليمية والدولية التي عملت، بحسب مراقبين، على إفشال أي مسار سياسي مستقر يمكن أن ينهض بالدولة نحو التنمية والازدهار. فوجود نظام حكم رشيد في بلد بهذه الإمكانات يعني ولادة قوة إقليمية مؤثرة، وهو ما لا يناسب مصالح العديد من القوى الكبرى.

من الانفصال إلى الانقسام الجديد

منذ استقلاله، عانى السودان من حروب داخلية متكررة، كان أبرزها الحرب الأهلية الطويلة التي انتهت عام 2011 بإعلان انفصال جنوب السودان بدعم من قوى دولية وإقليمية، ما شكّل سابقة خطيرة فتحت شهية المخططين على تكرار التجربة في مناطق أخرى، خصوصًا في إقليم دارفور الغني بالنفط والمعادن.

 

وفي ديسمبر 2018، تفجّرت احتجاجات شعبية واسعة ضد حكم الرئيس عمر البشير، انتهت بسقوطه في نسيان 2019. تولّى بعده مجلس عسكري انتقالي بقيادة عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو (حميدتي) السلطة، في شراكة مؤقتة مع القوى المدنية. غير أن هذه الشراكة لم تدم طويلاً، إذ نفّذ البرهان انقلابًا عسكريًا في أكتوبر 2021، لتبدأ مرحلة جديدة من التوتر بين الجيش وميليشيا الدعم السريع بقيادة حميدتي.

 

وفي نيسان 2023، انفجرت الحرب المفتوحة بين الطرفين، لتتحول الخرطوم ودارفور إلى ساحات قتال مدمّرة، وتبدأ معها موجة نزوح ومآسٍ إنسانية هائلة. ومع الوقت، أحكمت قوات الدعم السريع سيطرتها على أجزاء واسعة من غرب السودان، بما فيها إقليم دارفور، ما أثار المخاوف من تكرار سيناريو الانفصال وتأسيس "دولة دارفور" المستقلة.

2.jpeg

 

الإمارات... الدعم الخفي الذي أصبح علنيًا

في خضمّ هذه الفوضى، برز اسم الإمارات العربية المتحدة كأحد أبرز الداعمين لقوات الدعم السريع. تشير تقارير عديدة إلى أن أبوظبي تقدّم دعماً عسكرياً ولوجستياً ومالياً لحميدتي وقواته، في إطار تحالفات معقدة ترتبط بمصالح اقتصادية واستراتيجية.


ويرى محللون أن هذا الدعم ليس معزولاً، بل يأتي ضمن رؤية إماراتية أوسع للتمدد في القرن الأفريقي والسيطرة على مسارات التجارة والثروات، فضلًا عن ارتباطه بمصالح إسرائيلية متزايدة في الإقليم، سواء عبر الاستثمار في الموارد أو عبر النفوذ الأمني.

 

بهذا المعنى، تتحوّل الإمارات  بحسب خصومها  إلى واجهة ناعمة للمشروع الإسرائيلي في أفريقيا، تسعى من خلالها تل أبيب إلى تأمين مصادر جديدة للطاقة والمعادن، وإضعاف الدول العربية والإسلامية ذات الموارد الواعدة.

4.png

صراع على السودان أم على ثرواته؟

اليوم، لا يبدو الصراع في السودان مجرّد مواجهة بين جيش رسمي ومليشيا متمرّدة، بل صراع إقليمي على الثروة والنفوذ.
البرهان مدعوم من قوى خارجية تسعى للحفاظ على نفوذها التقليدي في الخرطوم، بينما يستند حميدتي إلى دعم إماراتي–إسرائيلي مباشر وغير مباشر، يسعى إلى ترسيخ واقع تقسيمي جديد يخدم مصالح اقتصادية وجيوسياسية محددة.

 

خاتمة

إن ما يجري في السودان ليس مجرد حرب أهلية عابرة، بل محاولة لإعادة رسم خريطة المنطقة من جديد، وتقسيم دولة غنية إلى دويلات ضعيفة يسهل السيطرة عليها ونهب خيراتها.
فمن دارفور إلى الخرطوم، ومن الذهب إلى النفط، تتقاطع مصالح اللاعبين الدوليين والإقليميين على حساب دماء السودانيين ومعاناتهم، فيما يبقى السؤال الكبير:
هل يستيقظ السودان من هذا الكابوس الطويل قبل أن يفقد ما تبقّى من وحدته وثرواته؟