جان ماري توما-
شارفت الانتخابات البلديّة والاختياريّة على الانتهاء، واللّبناني حتّى اليوم ضائع في دوامة من انتصر ومن خسر، فكل الأحزاب رقصت ودبكت أو فتحت الشامبانيا، فإن انتصر الجميع.. فمن الخاسر؟
تُقدّم الأحزاب نتائج البلدية والاختياريّة على أنّها "بروفا" للانتخابات النيابيّة.
وهناك من استعاد ثقته بنفسه، مثل التيار الوطني الحرّ، ورفع سقف توقّعات مناصريه للاستحقاق النيابي المقبل في الـ2026. وهناك حزب القوات اللّبنانيّة الذي فرض نفسه كمنافس صعب في البلدات الكبيرة وعيّن نفسه: حاميًا للمناطق المسيحيّة مغنّيًا "عزحلة ما بفوتو" بوجه من هم أصلًا أهل زحلة. ولائحة ردّات فعل الأحزاب تطول.
ولكن هل فعلًا نتائج الانتخابات البلديّة هي مرايا للانتخابات النيابيّة؟ عوامل كثيرة تجعل الإجابة: لا!
التحالفات
أكثر ما أثار الجدل في الانتخابات الحاليّة هي التحالفات "الغريبة العجيبة".
نبدأ بالمتن، ابراهيم كنعان تحالف مع القوات اللّبنانيّة والكتائب اللبنانيّة في المتن، ما جعل انتصارهم كاسحًا في المنطقة نظرًا لشعبيّة أسمائهم كل شخض على حدة.. كيف الحال سويًّا؟
أمّا في الانتخابات النيابيّة وفي عدد ثماني مقاعد في المتن ومع قانون "الصوت التفضيلي"، من المستحيل أن يترشّح ابراهيم كنعان مع لائحة القوات أو لائحة الكتائب. ولا ننسى اسم الياس بو صعب، الذي يدور في فلك ابراهيم كنعان كأعضاء سابقين في التيار الوطني الحرّ.
ننتقل إلى بيروت، كونها تنقسم إلى دائرتين لن يكون هناك تحالفات بين الأحزاب المسيحيّة، السنيّة والشيعيّة.
هذا التحالف المدوّي الذي حصل في بيروت لن يتكرّر في الاستحقاق النيابي طبعًا، خصوصًا في بيروت الأولى، فلن نرى التيار والقوات والكتائب يدًا بيد. فهناك ستكون المعارك الطاحنة، وبحضور أسماء أخرى كبولا يعقوبيان.
أمّا بخصوص بيروت الثانية، فأم المعارك ستكون عند السنّة، فعندها لن يكون هناك تحالف مخزومي-جميع الأحزاب بوجه نبيل بدر، ولن ننسى اسم وضاح الصادق. وما بالكم إن دخل الحريري إلى الساحة مجدّدًا؟
نتوجّه نحو الشمال، رأينا في الكورة مثلًا التحالف السوريالي بين القوات اللبنانيّة والقومي السّوري. وبالتأكيد لن نراه في الانتخابات النيابيّة وإلّا لنقول "سلام على المبادئ"!
أمّا في عكّار، في القبيات مثلًا رأينا القوات مع التيار يدًا بيد مع هادي حبيش، هذا المشهد لن نراه في الانتخابات النيابيّة في الشمال الأولى، كونهم سيتنافسون على المقاعد المسيحيّة الثلاثة في عكّار.
واللائحة تطول بالتحالفات التي لن نراها في الانتخابات النيابيّة.
التنافس العائلي
في معظم البلدات خصوصًا تلك الجبليّة تأخذ الانتخابات البلديّة خصوصيّة عائليّة، فتتنافس العائلات ولا تتدخّل الأحزاب، وبالطبع ليس من مصلحتها الدّعم كون مناصريها موزّعين على كل لوائح هذه المنطقة، لذلك تأخذ خطوة إلى الوراء لكي لا تستفزّ أحد.
ولكن عند صدور النتائج، تتبنّى الأحزاب فوز من هم من مناصيريها أو مؤيّديها.
فترتفع أسهم الحزب المعيّن، ولكن في الحقيقة المنافسة كانت عائليّة بحتة.
مثلًا في بلدة بيت ملات العكاريّة، نَسَبَ حزب القوات اللّبنانيّة الفوز له بـ15 عضوًا، فقط لأنّ هناك "قواتيّين" في اللائحة كما في اللائحة الثانية.
مع العلم أنّه أعلن عدم مشاركته في الانتخابات هناك سابقًا نظرًا للمنافسة العائليّة. فهل يجوز القول أنّ القوات فازت في هذه البلدة؟
دعم وهمي
في بعض البلدات، تتكوّن لائحة من عائلات ترسم برنامج انتخابي وخطة، وفجأةً في ليلة وضحاها، يقرّر حزب معيّن إيعاز مناصريه في هذه البلدية للتصويت لها وإن فازت يُنسَب فوز أعضاء اللائحة على اسمه، ما هو غير منطقي.
مثلًا في دير القمر اللائحة التي فازت، لم تكن مدعومة من التيار الوطني الحرّ ولم يكن هناك أي عمل حزب لتشكيلها، ولكن طلب التيار قبل أيام قليلة من الانتخابات أن يتم التصويت لهذه اللائحة. فهل يجوز أن نقول أنّ التيار فاز في دير القمر؟
بعد تلك الأمثلة، يمكن أن نقول أنّ بعض الانتصارات والأرقام للأحزاب هي وهميّة، وهذه العوامل أعلاه لن تَحضُر في الانتخابات النيابيّةـ التي تختلف كليًّا عن مسار الانتخابات البلديّة من حيث التركيية، القانون والتحالفات.