logo
logo
logo

منوعات

القديس الأرمني الذي وجد في لبنان وطنه الأخير!

القديس الأرمني الذي وجد في لبنان وطنه الأخير!

في يومٍ تاريخي للبنان وللكنيسة الأرمنية الكاثوليكية، يُعلَن اليوم (19 تشرين الأول 2025) في الفاتيكان رسميًّا تقديس القديس إغناطيوس مالويان، الأسقف والشهيد الذي جمع بين أرمنية الجذور ولبنانية الروح.


هذا الرجل الذي عاش الإيمان حتى الاستشهاد، لم يكن مجرد رمزٍ ديني، بل صفحة من تاريخ لبنان نفسه.

 

في قلب المآسي التي هزّت القرن العشرين، يسطع اسم القديس إغناطيوس مالويان كرمزٍ للشجاعة والإيمان والثبات في وجه الاضطهاد. هذا الأسقف الأرمني الكاثوليكي، الذي وُلد في ماردين عام 1869، صار أحد الوجوه الروحية الأكثر ارتباطاً بلبنان — ليس فقط لأن جسده يرقد فيه، بل لأن لبنان كان محطة البداية في مسيرته الكهنوتية.

 

من ماردين إلى بزمار... البداية اللبنانية

 

في طفولته، أرسله أهله إلى دير بزمار في لبنان، حيث تابع دراسته في الإكليريكية التابعة للبطريركية الأرمنية الكاثوليكية. هناك، تفتّح وعيه الروحي، وتكوّنت شخصيّته الإيمانية التي سترافقه حتى الشهادة. لبنان كان المدرسة التي صاغت قداسته الأولى، قبل أن يُرسم كاهناً ويعود إلى بلاده لخدمة الكنيسة.

 

راعٍ لا يساوم على إيمانه

 

عام 1911 عُيّن مطراناً على أبرشية ماردين الأرمنية الكاثوليكية. ومع اندلاع المجازر الأرمنية سنة 1915، رفض أن يتخلّى عن إيمانه أو عن شعبه. عُذّب طويلاً وطُلب منه أن يعتنق الإسلام لينجو، لكنه أجاب بشجاعة:

“ديني هو حياتي، ولا يمكن أن أنكره.”

أُعدم شنقاً مع المئات من المؤمنين الذين رفضوا التراجع عن عقيدتهم، فصار شهيداً للحقّ والإيمان.

 

 

لبنان... الحاضن الأبدي

 

بعد استشهاده، نُقلت رفاته إلى دير بزمار في لبنان — المكان الذي بدأ فيه دراسته الدينية، ليعود إليه جسده بعد رحيله، وكأن الدائرة اكتملت بين البداية والنهاية. ومن هناك، تحوّل قبره إلى مزارٍ روحي يقصده اللبنانيون والأرمن على السواء.

وفي عام 2001، أعلن البابا يوحنا بولس الثاني تطويبه في روما، واصفاً إيّاه بـ"شهيد الوحدة والرجاء". ومنذ ذلك الحين، يحتفل لبنان بذكراه في 11 حزيران من كل عام، في قداديس تجمع الأرمن واللبنانيين في مشهد من الإيمان والوفاء.

 

إرثٌ يذكّر اللبنانيين بذواتهم

 

 

إغناطيوس مالويان لم يكن قدّيس الأرمن فقط، بل قدّيس الشرق بأسره. قصّته تشبه قصّة لبنان نفسه: بلد صغير، محاط بالتجارب، لكنه ينهض دائماً بالإيمان.
إنه شاهد على أنّ القداسة لا تُصنع في الراحة، بل في الموقف — حين يختار الإنسان أن يبقى وفيّاً لقيمه مهما كان الثمن.