خاص ليبانوس- لارا عمرو
يقول المثل: "عيش كتير، بتشوف كتير". وفي لبنان، "منشوف كتير" كلّ يوم! ظاهرات غريبة عجيبة تكتسح مشهدنا اليومي وتخلّف مصائب نحن بغنى عنها. آخرها: دكاكين التجميل، التي أطلقت ثورة من التّعليقات والمخاوف المتعلّقة بها لما تحمله من مخاطر مُقلقة.
المواطن اللّبناني، كالعادة، ضحّية غياب الرّقابة!
يقع اللّبنانيّ مجدّداً، وكما الحال في معظم السيناريوهات، ضحيّةً للتفّلت وغياب الرقابة. وكأنّ البؤس وسوء الحظّ يرافقانه أينما ذهب! سرقات وجرائم يوميّة تُرتَكب بحقّه، وآخرها "عيادات التجميل" المُخالفة، التي تُمارس ما تهواه من أخطاء في أجساد ضحايا يدفعون مبالغ طائلة، تفوق أحياناً قدرتهم الماديّة بأشواط، لينتهي بهم الأمر بفاجعة لم تكُن في الحسبان.
ومن أبرز ضحايا الإجرام الذي يُرتكب بحقّ النّاس، النّاشطة على مواقع التّواصل الاجتماعي وخبيرة التّجميل "هبة سيوفي". هذه الأخيرة، كانت قد ظهرت في عدّة مقاطع فيديو وحلقات تلفزيونيّة رَوَت من خلالها مسيرة العذاب الطويلة التي بدأت منذ حوالى الـ13 سنة وحتّى هذه اللّحظة، حين قصدت صالون لتصفيف الشّعر في منطقة "الفردان"، فأقنعها أحد موظّفيه بحقن إبرة في خدّيها "لأنّها نحيفة نوعاً ما".
أكّدت هبة أنهّا كانت تفتقر حينها للثّقافة والمعرفة الكافِيَتين في هذه المواضيع، فرضخت لإقتراحه وحقنت الإبرة. لم تبرز الأعراض الكارثيّة في الفترة الأولى من الجريمة، إذ عانت خبيرة التجميل من تورّم بسيط وحساسيّة لم تُعرها اهتماماً في البداية.
بعد فترة من خضوعها للعمليّة، بدأت الأعراض تظهر بشكل جليّ على وجهها بعد أن تفاعلت المواد الموجودة في الإبرة مع دواء بدأت باستخدامه، وتجسّدت على هيئة انتفاخ كبير جدّاً تحت عينيها. وأكّد لها دكتور الأمراض الجلديّة أنّ ما حُقِن في وجهها "شيطان ميّت" قد يظهر في أيّ وقت ممكن وطلب منها الامتناع عن حقن أيّ أبر "فيلر" مجدّداً!
وكانت قد ذكرت النّاشطة أنّ من حقن لها الإبرة هو مجرّد "خبير مكياج" ولا شهادات لديه في طبّ التجميل على الإطلاق، وأنّ الإبرة من الأساس لم تكن آمنة.
"هبة" تُعاني منذ 6 سنوات طويلة من مضاعفات هذه الإبرة التي خضعت لها منذ 13 عاماً وتحاول منذ ساعتها العثور على علاج دون جدوى.. وللأسف، هي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة!
من يتحمّل مسؤوليّة هذا الإهمال الواضح بحقّ أجساد الضحايا؟
المسؤوليّة تقع على عاتق الدولة إجمالاً، و"وزارة الصحّة" خصوصاً، إذ من مسؤوليّة هذه الأخيرة فرض الرقابة اللّازمة على هذا النوع من العيادات التي تمسّ بشكل مباشر بصحّة وأجساد المواطنين. ولكن هذا لا يعني أنّ لا مسؤوليّة كبيرة على أصحاب تلك العيادات، الذين باعوا ضميرهم من أجل المال، وراحوا يمرحون على هواهم بأشخاص دفعوا لهم تعب أيّام وأشهر أمضوها لتجميع تكلفة التجميل.
وقد أشارت تقارير عديدة مطلع هذا العام، إلى وجود أكثر من 250 مركز تجميل مخالف، تقدّم أشخاص كُثُر بدعوى ضدّها، وهو رقم مثير للقلق! وتتنوّع المخالفات في هذه الأخيرة لتشمل غير المرخّص منها، أو تلك التي تستخدم مواد فاسدة، أو حتّى التي تضمّ طاقم عمل يفتقر إلى الشّهادات والخبرة اللّازمة ويكتفي بدورة قصيرة في عيادة أو على منصّة. هناك من يلقّب نفسه بـ"خبير التجميل".. فيريح بذلك "ضميره" الميّت ويمارس جريمته على راحته!
جهود محدودة للحدّ من هذه الظاهرة..
وفي إطار سعي الوزارة إلى الحدّ من هذه الظاهرة الخطيرة، جالت دوريّات رقابيّة على عدد من مراكز التّجميل في لبنان وأغلقت في الآونة الأخيرة حوالى 13 مركزاً في مناطق النبطيّة وحبّوش وتولا. ومع ذلك أكّد كثيرون في هذا المجال، أنّ هذه الإجراءات لن تردع المجرمين في حقّ النّاس، إذ أنّهم سيعاودون افتتاح مراكز أخرى وسيُكملون تفنّنهم في وجوه وأجساد النساء والرّجال على حدّ سواء!
من هنا تتجلّى الضرورة القصوى لتخصيص جولات رقابيّة دائمة تجول باستمرار، وليس فقط عند وقوع المصيبة، على المراكز وتراقب عمل أصحابها وجودة موادها. وكان قد عَمِلَ النائب وائل أبو فاعور، حين كان في وزارة الصحّة، هذا الموضوع وأقفل مراكز كثيرة مُخالفة، عادت لتنتشر من جديد بفعل غياب الدّولة.
وفي عام 2017، منح مجلس النوّاب صلاحيّة إدارة مراكز كهذه لـ4 إختصاصات: جرّاحو التجميل، أطبّاء الجلد، أطبّاء الأذن والأنف والحنجرة، وأطبّاء جراحة الفك والوجه. والنتيجة؟ مكانك راوح..
"أصبحنا نقوم بعمليّات ترميم وإصلاح أكثر من تجميل!"
في حديث خاص مع "ليبانوس"، أكّد الدّكتور محمد عبيد، الحائز على إجازة في طب الأذن، الأنف والحنجرة، وشهادة ماجيستير في الجراحة التجميليّة، أنّ حوالى الـ60% من مرضاه يقصدونه لغايات ترميم بدلاً من تجميل، وهو دليل حيّ على كثرة الأخطاء الطبيّة في هذا المجال، مشيراً إلى أنّه من شأن هذه الحقن العشوائيّة أن تسبّب ترهّلا، حساسيّات عديدة والتهابات خطرة. ومن جهته، حمّل الدكتور عبيد المسؤوليّة للدّولة بطبيعة الحال، وللمواطن الذي يلجأ للعيادات التي تقدّم تخفيضات وأسعار زهيدة لهذا النّوع من العمليّات والحقن.
والجدير بالذّكر هنا، هو أنّ طبيب التجميل، الوحيد الذي يحقّ له شراء الأدوية المرخّصة من وزارة الصحّة، وبالتّالي كلّ ما يتمّ استخدامه في "الدكاكين" الأُخرى هو عبارة عن أدوية مهرّبة وغير مرخّصة تفتقر إلى الشّرعيّة.
ومن هنا تبرز أهميّة الوعي التجميلي الذي ينبغي أن يتسلّح المواطن به قبل التوجّه لمراكز التجميل، كي لا يقع ضحيّة هذا النوع من الفِخاخ.
حماية المواطن ضرورة قصوى وحلّ لا بديل عنه!
في ظلّ واقع التفلّت الواضح الذي نعيشه، أصبح التغيير أولويّة قصوى وواجباً يقع على عاتق وزارة الصحّة أوّلاً، وأصحاب المصالح ثانياً. سئم المواطن اللّبنانيّ من تجرّع كأس اللامبالاة من أيدي الدّولة.
لكلّ مسؤول عن هذه الجريمة: كفى اعتداءً على سلامة النّاس!