
لم يكن ينقص لبنان سوى أن يشهد “زفافًا في مغارة جعيتا” ليشتعل النقاش من جديد حول معنى “الاستثمار السياحي” وحدود المسّ بالرموز الطبيعية. مقطع الفيديو الذي انتشر كالنار في الهشيم أظهر العروسين وهما يرقصان داخل المغارة التي تُعد من عجائب لبنان، على أنغام الموسيقى، في مشهدٍ مفاجئ، ما بين الصدمة والأخرى في كل فيديو جديد ينتشر لهذا الزفاف، يأتي السؤال: كيف حصلت الموافقة؟
منذ أشهر، انتقلت إدارة مغارة جعيتا إلى بلدية جعيتا بموجب عقدٍ بالتراضي مع وزارة السياحة، بعد توقف الشركة السابقة التي كانت تتولّى تشغيل الموقع بسبب موت صاحبها. العقد أعطى البلدية حقّ التشغيل الموقّت إلى حين إعداد دفتر شروط لمزايدة عامة جديدة، لكنه قيّدها أيضًا بعدم السماح بأي نشاط استثنائي داخل المغارة إلّا بعد موافقة خطّية مسبقة من الوزارة.
وفق ما تبيّن من بيان وزارة السياحة، فإن رئيس بلدية جعيتا تواصل شفهيًا مع وزيرة السياحة لورا الخازن لحود، عارضًا فكرة إقامة حفل خاص داخل المغارة. لم يُقدَّم أي طلب مكتوب، ولم يُجرَ أي تقييم رسمي أو استشارة للجهات البيئية المختصّة كما ينص العقد. ورغم غياب الموافقة الرسمية، جرى الحفل، لتخرج لاحقًا الوزارة ببيانٍ تؤكد فيه أنها لم تُجز الحدث، وأنّها وجّهت إنذارًا إلى البلدية لمخالفتها الأصول الإدارية.
البلدية دافعت عن الخطوة باعتبارها "حدثًا محدودًا يهدف إلى الترويج السياحي"، فيما رأى كثيرون أن ما حصل يُظهر تهاونًا في حماية المعالم الوطنية. فالمغارة ليست مجرد موقعٍ للتصوير أو مكانٍ لإقامة المناسبات، بل إرثٌ طبيعي حساس تُحظر فيه الموسيقى الصاخبة والإضاءة القوية والازدحام الذي قد يُلحق ضررًا بالصخور الكلسية والتكوينات الصخريّة كما أيضًا يلحق ضررًا بالحياة الدقيقة.
كشف رئيس بلدية جعيتا وليد بارود في حديث لـ"النشرة" أنّ البلدية "تحضّر لحفل كبير خلال عيد الميلاد المقبل في المغارة"، موضحاً أن "هذا الأمر تحدثنا به مع الوزارة وأبلغناهم نيتنا إقامة حفلات واستقطاب فنانين مشهورين لاحيائها في المغارة".
وأشار إلى أن "الحفلة التي حدثت وانتشرت فيديوهات عنها على وسائل التواصل الاجتماعي، كانت عبارة عن تجربة أو اختبار بـmini concert، ومن وجهة نظره أنّ "المشكلة أننا أبلغنا الوزارة شفهًّا لكننا لم نقم بذلك خطيّا"، مؤكدًا أنّ "وزارة السياحة سمحت لنا بإقامة الحفلات في المغارة، شرط أن نقدم كتاباً خطّياً لها".
أعاد هذا الحدث فتح النقاش حول غياب الشفافية في إدارة المرافق العامة، وتناقض الصلاحيات بين الوزارات والبلديات. فبينما تتذرّع بلدية جعيتا بأنها "تملك التفويض المؤقت"، تصرّ الوزارة على أن كل نشاط غير مصدّق خطيًا يُعدّ مخالفًا. النتيجة: ضجّة إعلامية كبيرة، واهتزاز جديد في ثقة الناس بقدرة المؤسسات على حماية رموز لبنان السياحية.