كتب أحمد نصرالله
التصعيد حدث في الضاحية الجنوبية لبيروت، وما كان يتوقّعه كثيرون نُفّذ بقوّة كبيرة وصدى فاجأ الجميع.
نفّذ الجيش الإسرائيلي 8 غارات على ضاحية بيروت الجنوبية، في استهداف وعدوان يُعدّ الأعنف منذ وقف إطلاق النار.
نشر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، مساء الخميس، تحذيرًا — صادف (وليس بالصدفة) ليلة اليوم الأول من عيد الأضحى — موجّهًا إلى 4 مناطق، مطالبًا بالإخلاء الفوري.
وزعم أفيخاي وجود مستودعات تُستخدم لتصنيع المسيّرات استعدادًا للحرب المقبلة. وسواء كانت هذه الرواية صحيحة أم لا، فهي مجرّد تفصيل، إذ إن التبرير موجود، وقواعد الاشتباك تسمح بذلك، بما في ذلك بموافقة الأميركيين والدول الراعية لاتفاق وقف إطلاق النار.
وبعد الغارات العنيفة، التي وصل صداها إلى قرى جبل لبنان، والتي استُخدمت فيها صواريخ مضادة للتحصينات وخلّفت دمارًا هائلًا في المناطق المستهدفة، تخوّف البعض من ردّة فعل محتملة من الحزب. كما تحدّث الإعلام الإسرائيلي عن حالة تأهّب تحسّبًا لأي عملية إطلاق صواريخ. ومع ذلك، استنكر الحزب الهجوم وضبط النفس، وعضّ على الجراح.
الجدير بالذكر أن الحدث الذي سبق كل هذه الغارات، كان بيانًا صادرًا عن مجلس حكماء التوراة في إسرائيل، دعا فيه إلى حلّ الكنيست وإجراء انتخابات مبكرة، قد تؤدي إلى سجن نتنياهو.
إذًا، نتنياهو يحاول الهروب، وهذا أمر واضح. ولكن ما قدرة الحزب وبيئته على التحمّل والصبر أمام حجم الدمار والضغط الاجتماعي؟
إليكم السيناريوهات التي، إن تحقّقت، ستفتح جبهة لبنان على مصراعيها، ولن يكون بمقدور الحزب أن لا يردّ بشكل مباشر:
السيناريو الأول: الحرب الشاملة
لا يمكن لإسرائيل أن تشنّ حربًا شاملة على لبنان من دون ردّة فعل مباشرة وقويّة من الحزب، إذ سيكون الصمت حينها أسوأ من الردّ، وذلك من دون الدخول في حسابات الردّ الإسرائيلي على ردّ الحزب.
أما عن الحرب الشاملة، فلها تفسيرات عدّة، منها شنّ هجوم بري على قرى لم يُدخل إليها سابقًا، مدعومًا بقصف جوي يستهدف الضاحية، بيروت، وقرى الجنوب، على غرار حرب أيلول الماضية.
وقد يؤدي تكثيف الضربات على الضاحية إلى ردّة فعل أيضًا. فنحن لا نتحدث هنا عن ضربة أو اثنتين كل شهرين أو ثلاثة، بل عن استهداف أسبوعي قد يُعطّل الحياة كليًا في الضاحية والجنوب، وهو ما يخشاه الحزب ولا يرغب في حدوثه، فعندها: "عليّ وعلى أعدائي".
أمّا أي سيناريو لا يرقى إلى الحرب الشاملة، بما في ذلك سقوط شهداء مدنيين نتيجة اغتيال أحد المسؤولين، فلن يُؤدّي إلى ردّ مباشر، مع استثناء سقوط عشرات الشهداء، في مجزرة قد تجبر الحزب على الرد.
السيناريو الثاني: حرب إيرانية إسرائيلية
بعيدًا عمّا قد يحدث في لبنان، فإن تفجّر الوضع الإقليمي بين إيران وإسرائيل قد يؤدي إلى انفجار الوضع في لبنان أيضًا، إذ قد يجد الحزب نفسه أمام فرصة ذهبية لاستعادة المعادلات السابقة، مع دخول إسرائيل في حالة حرب مع إيران، وهي حرب قد تُشعل تصعيدًا عسكريًا في اليمن، وتُعيد فتح جبهة العراق – إسرائيل.
في هذه الحالة، لن يكون التركيز الإسرائيلي منصبًّا على الجبهة الشمالية فقط، بل على صدّ مئات الصواريخ التي قد تُطلَق يوميًا. ويتوقف ذلك أيضًا على موقف الولايات المتحدة في تقديم دعم مباشر لإسرائيل ضد إيران، في وقت تنتظر فيه الصين انخراط واشنطن في حرب مع طهران، تمهيدًا للتحرك نحو تايوان، ضمن حسابات معقّدة تتطلب كثيرًا من التفاصيل.
السيناريو الثالث: اغتيال الشيخ نعيم قاسم
لا يخفى على أحد حديث الإعلام العبري عن نيّة الجيش الإسرائيلي اغتيال الأمين العام للحزب، الشيخ نعيم قاسم. وإن حدث هذا الفعل، فقد يُجبر الحزب على الردّ بشكل مباشر، لا سيما إذا نجحت العملية، إذ سيكون حينها تحت ضغط كبير من بيئته لاتخاذ موقف واضح.
في النهاية، يجب أن يدرك الجميع أن الحزب ليس منظمة تتحرّك بناءً على العواطف أو ردود الأفعال اللحظية، بل بناءً على الوقائع وحسابات المستقبل الطويل.
وإن كان هذا الصمت — الذي لم يتوقّع أحد استمراره منذ عام — يُسعد الإسرائيليين، فهو صمت وصبر هدفه استعادة ما كان الحزب عليه قبل 27 أيلول.
لا بدّ من التضحيات، وهي لا تُقارن بحجم الهدف المنشود: استعادة القدرات وردم الخروقات. ومع ذلك، فإن نتنياهو، رغم إجرامه الكبير، سياسي ذكي جدًا. فهل ينجح في جرّ الحزب إلى حرب قد تنقلب عليه؟
المصدر: مقال رأي