كتب أحمد نصرالله
منذ أن بدأت الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفييتي بعد الحرب العالمية الثانية، كان الخطر الرئيسي لدى الطرفين يكمن في الحفاظ على القدرة على القيادة والسيطرة. ولذلك، كان لا بدّ لكليهما من بناء قاعدة عسكرية مركزية لإدارة الحرب النووية في حال اندلاعها، تكون محصّنة بشكل كبير بحيث لا تتأثر بالانفجارات أو الإشعاعات مهما بلغت شدتها.
أنشأت الولايات المتحدة قاعدتها تلك في ولاية كولورادو، تحت جبال شايان، على عمق 600 متر. وقد استمر الأميركيون على مدى السنوات الماضية، وحتى اليوم، في تعزيز تحصينات تلك القاعدة، وهم يدركون أنه من المستحيل على أي دولة، مهما بلغت قدراتها العسكرية، أن تنفّذ ضربات تصل إلى ثلث هذا العمق.
آراء الخبراء الأميركان وهواجسهم:
أجرت صحيفة فايننشال تايمز لقاءً مع رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وخلال الحديث، وفي دردشة جانبية، قال لهم:
"الهاجس الأكبر لديّ هو إيران.
فأنا، على سبيل المثال، أتابع حالياً محطات نووية مثل زابوروجيا، والأمور فيها مستقرة. كما أتابع كوريا الشمالية، التي تملك نحو 80 رأسًا نوويًا، وهم، كما تعلمون، لا يعترفون بنا. ومع ذلك، فإن مخاوفنا منهم تقتصر على مسألة الأمان التشغيلي، كأن يحدث انفجار داخلي لديهم.
لكن كل هذا لا يُقارن بحالة إيران."
وعن أسباب قلقه، أجاب:
"لقد وصلوا إلى مستويات خطيرة في التخصيب.
يمتلكون 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وأطنانًا من اليورانيوم المخصب بنسبة 20%، إلى جانب كميات أخرى مخصبة بنسبة 5.5% وغيرها.
المشكلة الكبرى أنهم باتوا يمتلكون تكنولوجيا متطورة في بناء أجهزة الطرد المركزي، ما يتيح لهم الوصول بسرعة، حتى بأعداد صغيرة، إلى نسبة تخصيب 90%، وهي النسبة التي تمكّنهم من تصنيع قنابل نووية."
وهنا جاء الخبر الصاعق عندما سُئل عمّا إذا كانت إسرائيل قد تسعى لضرب المنشآت النووية في إيران، فأجاب:
"ذهبتُ ذات مرة في جولة تفقدية إلى منشأة "فوردو"، وهي من أهم المنشآت لدى الإيرانيين، وتضم أجهزة الطرد المركزي الحساسة.
هذه المنشأة تقع على عمق 800 متر تحت جبال من الغرانيت، أي أنها أعمق من مقر القيادة والسيطرة الأميركي، الذي يقع على عمق 600 متر.
نزلنا إليها نحن وفريق الوكالة، ومررنا عبر العديد من الممرات الحلزونية، وشعرنا كما لو كنا داخل فيلم Resident Evil... كان الأمر مثيرًا جدًا."
هل تستطيع القنابل الخارقة للتحصينات باختراق هذه الجبال؟
عندما تبني الولايات المتحدة قاعدتها على عمق 600 متر تحت الجبال، وهي تدرك حجم قدرات أعدائها، فهي تعلم أن لا أحد يمتلك قنابل قادرة على اختراق تلك الأعماق والوصول إلى قلب القاعدة.
أما إيران، فقد شيّدت منشآتها النووية على أعماق تتراوح بين 200 و800 متر، وهي تعلم أن القنبلة الأميركية الأضخم الخارقة للتحصينات، GPU-57، لا تتجاوز قدرتها الاختراقية في الجبال الصخرية العادية 60 مترًا كحد أقصى، فكيف إذا كانت جبال إيران من الغرانيت الصلب؟
وهذا طبعًا دون الحديث عن المساحات الشاسعة لتلك المنشآت، ومداخلها العلنية والسرّية، والأنفاق الضخمة التي تحتويها.
تحتاج إسرائيل إلى الاستعانة بكل القاذفات الأميركية من طراز B-52، والتي يمكن لكل واحدة منها أن تحمل قنبلتين من نوع GPU-57. وحتى في حال عملت هذه القاذفات بشكل يومي ومتواصل لمدة شهرين، فقد تتمكّن حينها من الوصول إلى جزء من قلب منشأة "فوردو" فقط، مع الإشارة إلى أن المنشأة تعمل من الداخل بشكل مستقل من حيث الطاقة والتشغيل.
هل يفسّر إصرار الولايات المتحدة على التفاوض إلى إدراكها الفعلي بعدم القدرة على تحقيق أي نجاح عسكري في حال قررت ضرب المنشآت النووية الإيرانية؟
المصدر: مقال تحليل ورأي