- كتب أحمد نصرالله -
طمأن الموفد الأميركي توم برّاك اللبنانيين بأن "هناك فرصة في الأفق، ولا أحد يبرع في اقتناص الفرص كما يفعل اللبنانيون"، مؤكّدًا أن "الوقت قد حان في المنطقة"، ومشدّدًا على دعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب للبنان.
من جانبه، أعرب برّاك عن رضاه عن الردّ اللبناني واصفًا إيّاه بـ"المسؤول". وقد جاء هذا الرد وسط أجواء من التشاؤم بعد تسريب بعض بنوده، لا سيما في ما يتعلق بعدم تضمّنه مهلة واضحة لتسليم سلاح "الحزب" في شمال الليطاني، وهو ما يُعدّ أمرًا مرفوضًا تمامًا بالنسبة لإسرائيل، فهل يُمكن فهم كلامه كالـ"سمّ في العسل".
هل طمأنتك تصريحات برّاك؟ لا تتسرّع بالفرح!
لن نتحدث هنا بالعواطف أو التحليلات، بل بالوقائع. هل تذكرون ما قاله آموس هوكستين قبيل اندلاع الحرب في سبتمبر من العام الماضي؟
آنذاك، صرّح هوكستين بأن الحل الدبلوماسي للنزاع بين "الحزب" وإسرائيل ممكن، وأن لا أحد يرغب في اندلاع حرب كبرى، معتبرًا أن الحرب لن تجلب الأمن لإسرائيل.
لكن ما تلا تلك التصريحات كان تصعيدًا إسرائيليًا حادًا، بدءًا من عملية "البيجر" والاختراقات اللاسلكية، إلى يوم الاثنين المشؤوم في الجنوب حيث شنّت إسرائيل أكثر من 180 غارة خلال أقل من 24 ساعة، وصولًا إلى سلسلة الاغتيالات التي طالت قادة في وحدة "الرضوان" في الضاحية الجنوبية، وانتهت باغتيال السيد نصرالله.
لا تذهبوا بعيدًا عامًا إلى الوراء، بل فلنستذكر ما قيل قبل شهر فقط من الهجوم الإسرائيلي على إيران، حين صرّح مسؤولون أميركيون بأنه يمكن تجنّب التصعيد، وأن الحلّ الدبلوماسي لا يزال ممكنًا. كما جاء في بيان رسمي لوزارة الخارجية الأميركية: "الولايات المتحدة ملتزمة بالدبلوماسية، والمفاوضات الأخيرة بين واشنطن وطهران تُظهر مؤشرات واعدة، ولا يوجد ما يدعو لتفاقم الأزمة".
كما صرّح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قبل أسبوع من الهجوم، قائلًا: "أنا أعتقد حقًا أن إيران لا تريد الحرب، وكذلك نحن. لا يزال هناك وقت للتوصل إلى اتفاق يرضي الطرفين". من جهته، أكد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أن الحلّ السلمي لقضية إيران النووية لا يزال ممكنًا.
هل الحرب محتومة على لبنان؟
برأيي الشخصي، نعم. هناك طرف، وهو الجانب الإسرائيلي، تمكّن من تحقيق إنجازات كبيرة جدًا ضد حزب الله من دون أن يتمكّن من القضاء عليه بالكامل.
في المقابل، لا يمكن لحزب الله أن يقبل بالمعادلة الحالية التي تسمح لإسرائيل بتنفيذ اغتيالات وغارات وتوغلات من دون رد فعل يُذكر من الطرف اللبناني.
منطقيًا، وبالحسابات العسكرية، هناك احتمالان لا ثالث لهما: إمّا توجيه ضربة حاسمة تمكّن إسرائيل من فرض شروطها على الحزب، وإما اندلاع حرب شاملة تُعيد خلط الأوراق وتفرض معادلة جديدة في المنطقة.
هل ستكون الحرب قريبة؟ لا أحد يملك الجواب الدقيق. هل يمكن تأجيلها لأشهر أو حتى أكثر من عام؟ الأمر مستبعد، لأن الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر من دون تصعيد.
أمّا شكل الحرب وحدودها، فتبقى غير معروفة. لكن الأرجح أن الحزب سيخوض المواجهة المقبلة حتى النهاية، خصوصًا بعد التطورات التي أعقبت اتفاق وقف إطلاق النار، والتي كانت كفيلة بزعزعة أي اتفاق مستقبلي.
هل استفاد الحزب من الحرب الأخيرة؟
ملاحظة مهمّة يجب التوقف عندها، وهي الصمت الكامل وغير المسبوق من قِبل الحزب على الصعيد العسكري. لا أحد يعلم ما إذا كان قد تمكن من ترميم قدراته، أو إذا كان قد حصل على صواريخ جديدة.
ما يمكن استنتاجه أن الحرب الأخيرة قدّمت درسًا مهمًّا في فن الصمت أمام واحدة من أقوى أجهزة الاستخبارات في العالم.
الأيام المقبلة ستكون حاسمة جدًا في كشف الإجابات.
المصدر: مقال رأي